منذ عزله لولي العهد ووزير الداخلية السعودي السابق محمد بن نايف من جميع مناصبه، في حزيران/ يونيو 2017، وما تبعه من اعتقالات “الريتز” التي طالت أمراء آخرين، مع تجريدهم من مهامهم، بدأ صراع حقيقي بين محمد بن سلمان ومجموعة من أبناء عمومته.
ابن سلمان لم يكتف بعزل “ابن نايف” من مناصبه، بل عزله كذلك عن العالم الخارجي، ولم يعد الأخير يظهر سوى في مناسبات محدودة، وبشكل غير رسمي، وسط أنباء جديدة تشير إلى أنه معتقل منذ آذار/ مارس الماضي.
وتمت مطالعة أكثر من 250 حسابا شخصيا لأمراء من آل سعود عبر “تويتر” و”إنستغرام”، جميعهم يلمحون إلى رفضهم تسلّم ابن سلمان زمام الأمور بالبلاد، ويعبرون عن ذلك بأساليب مختلفة.
فعلى الرغم من بطشه بأطياف مختلفة من الشعب السعودي، من ضمنهم عشرات الأمراء الذين زج بهم في السجن بتهم مختلفة -المعلن عن غالبها أنها متعلقة بالفساد-، وسط أحاديث عن اعتقاله شخصيات من أقاربه تخوفا من تشكيلهم حراكا داخليا قد يطيح به، إلا أن أمراء لا يزالون رافضين للأمير الشاب.
ولوحظ أن جلّ الحسابات التي تلمح إلى رفض ابن سلمان، تعود لأميرات من الأسرة الحاكمة.
وتم الكشف من خلال البحث في الحسابات الخاصة للأمراء، أن السواد الأعظم الرافض لسياسات ابن سلمان، ينحدرون من ثلاث أسر داخل آل سعود..
أسرة الملك عبد الله
عوامل عدة دفعت بالملك سلمان ونجله محمد إلى إقصاء أبناء الملك عبد الله من المشهد بصورة واضحة، ومثيرة للجدل.
البداية كانت بعد 6 أيام من تنصيب الملك سلمان حاكما للبلاد، إذ أقصى تركي بن عبد الله من إمارة الرياض، والأخير لا يزال معتقلا منذ حملة “الريتز” في تشرين ثاني/ نوفمبر 2017، فيما عزل أخاه فيصل من رئاسة الهلال الأحمر منتصف 2016 بشكل صامت، ودون أن يصدر أي أمر رسمي بذلك.
وواصل الملك سلمان ونجله محمد بالبطش بأسرة سلفه عبد الله، إذ اعتقل وزير الحرس الوطني متعب بتهم فساد، ورغم إطلاق سراحه بعد أسابيع، إلا أن الأمير الذي يشبّهه السعوديون بوالده بات مجردا من أي منصب رسمي، ودفع مبالغ طائلة كتسوية مقابل الإفراج عنه.
المعطيات أعلاه دفعت أحفاد الملك عبد الله إلى تجاوز الخطوط الحمر التي وضعها ابن سلمان منذ وصوله.
الأميرة بسمة بنت عبد الله، وابنة أخيها الأميرة دنا بنت خالد، تصدرا المشهد بالتعبير عن رفضهما لسياسة محمد بن سلمان.
تقوم الأميرتان بشكل متكرر بنشر أو إعادة تغريد صور للأمير المعتقل تركي بن عبد الله والدعاء له بالفرج، وتكرران نشر صور الملك عبد الله في تجاهل تام للملك وولي العهد الحاليين.
لا يكتفي أحفاد الملك عبد الله بالحديث عن شؤونهم فقط، إذ دائما ما يتغزلون بمحمد بن نايف، ويعيدون نشر تغريدات لحسابات مختصة فقط بتمجيد ولي العهد السابق، إضافة إلى أخرى تمتدح الأمير أحمد بن عبد العزيز، شقيق الملك وأحد المعارضين للوضع الحالي.
أحفاد سعود الكبير
هم أحفاد سعود بن عبد العزيز بن سعود، الملقب بـ”سعود الكبير”، الذي توفي في 1959، وهو صهر الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة (الحالية).
يشترك سعود الكبير نسبا مع الملك عبد العزيز في جدّهما الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله (كان حاكما بالدولة السعودية الثانية)، كما أنه تزوج شقيقة الملك عبد العزيز نورة، وبعد وفاتها، تزوج ابنة الملك حصّة.
على الرغم من العلاقة الوطيدة بينهما، وإطلاق الملك عبد العزيز عليه لقب “سعود الكبير” للتفريق بينه وبين ابنه الملك سعود، إلا أن سعود الكبير لم يتحالف مع الملك عبد العزيز طواعية، إذ كان يرى أنه الأحق بالحكم، ودخل في صراعات معه لغاية العام 1912 حين هزمه الأخير، ودعاه للعودة إلى الرياض وتحالفا سويا بعد ذلك.
يظهر أحفاد سعود الكبير اعتزازا كبيرا بفرع أسرتهم، ودائما ما ينشرون قصائد خطّها جدهم الكبير بيده، ويتحدثون عن فروسيته وشجاعته، كما أنهم ينشرون قصصا وقصائد لابنه محمد “شقران”، وحفيده عبد الله “الجزل”، كما يطلق عليهما.
في مطلع 2018، قال التلفزيون السعودي إن السلطات اعتقلت 11 أميرا تجمهروا في قصر الحكم مطالبين بإلغاء الأمر الملكي الذي ينص على إيقاف سداد فواتير الأمراء (الكهرباء والمياه).
الرواية الرسمية قوبلت بتشكيك واسع من قبل معارضين، وسرعان ما تسربت الأسماء الـ11، وتبين أن جميعها من أحفاد “سعود الكبير”.
ورغم الإفراج عن الأمراء الـ11 بعد أسابيع، إلا أن أفراد أسرة “الكبير” اتخذوا موقفا رافضا لابن سلمان، وعند التصفح في حسابات العشرات منهم، فإنه لا يوجد أي ذكر لولي العهد، وبعضهم يتجاهل التغريد عن الملك سلمان أيضا.
الملك عبد الله كان حاضرا بقوة في حسابات أسرة “الكبير”، لا سيما أحفاد عبد الله بن محمد “الجزل”، إذ إن الأخير كان متزوجا بالأميرة صيتة، شقيقة الملك عبد الله.
وفي عهده الذي استمر نحو 10 سنوات، قرّب الملك عبدالله مجموعة من أحفاد “سعود الكبير” وجعلهم مستشارين له، وهو ما قد يفسر كثرة مديحهم له، وترحمهم عليه، والتغزل في حقبته.
الست صور بالأسفل للملك عبد الله ونجله ونعي الأمير منصور بن مقرن، أخذت من أحد حسابات أمراء آل سعود عبر “إنستغرام”
“غزالان” وأقاربه
الأمير سلمان بن عبدالعزيز بن سلمان آل سعود، اعتقل مع أبناء عمومته أحفاد “سعود الكبير” مطلع 2018، ومن بين المعتقلين أيضا والده، بحسب وسائل إعلام.
الأمير سلمان أو “غزالان” كما يلقب، يلتقي مع أحفاد سعود الكبير في جدّهما سعود بن فيصل بن تركي، وهو متزوج من عريب بنت الملك عبد الله، وشقيقة الأمير تركي المعتقل.
شكّل اعتقال “غزالان” صدمة في أوساط عائلته الضيقة، وجمهوره الواسع في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يقول محبّوه إنه أمير مثقف، تعلم في فرنسا وأتقن لغتها، ولم يكن له أي أطماع سياسية، مستغربين سبب اعتقاله مع والده حتى الآن.
خرجت قضية الأمير سلمان إلى العلن منذ شهور، وقامت منظمتا “القسط” و”مينا رايتس” بتسليم شكوى ضد الحكومة السعودية لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تطالب بوقف انتهاكات السلطات ضد الأمير سلمان ووالده.
ومنذ أسابيع، تغرد الأميرتان الجواهر وسارة، شقيقتا “غزالان” مطالبتين بالإفراج عنه وعن والده.
وتنشر الأميرتان صورا لأخيهما مع الأمير أحمد بن عبد العزيز، ومسؤولين غربيين، متجاهلتين توجيه أي مناشدة للملك سلمان وولي عهده الإفراج عنه.