بقلم/ حازم عياد – كاتب صحفي وباحث سياسي
قبل عام من الآن (في تموز/ يوليو) نفى وزير الخارجية السعودي فيصل الفرحان نية السعودية تطبيع العلاقة مع الكيان الصهيوني، أو إنشاء تحالف أمني معه ضد إيران.
النفي السعودي جاء بعد حملة إعلامية قادها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وأركان حكومته قبيل انعقاد القمة الأمريكية السعودية الخليجية للأمن والتعاون في جدة، بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن منتصف تموز/ يوليو من العام 2022.
بعد عام من تصريحات الفرحان (منتصف تموز/ يوليو الماضي 2023)، انطلقت حملة إسرائيلية جديدة وقف على رأسها نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الفاشية؛ فخلال مقابلة أجرتها معه وكالة بلومبيرغ الأمريكية، روّج نتنياهو لتطبيع مرتقب بين السعودية والكيان الصهيوني.
وتبعته تصريحات مماثلة لوزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، نقلها موقع واينت التابع لصحيفة يديعوت أحرنوت؛ علق فيها على تقرير صحيفة وول ستريت جورنال المنشور الثلاثاء الماضي، حول اتفاق الولايات المتحدة والسعودية على بنود التطبيع مع الكيان الإسرائيلي بالقول؛ إن السلام مع السعودية مسألة وقت فحسب.
تصريحات تصريحات نتنياهو- كوهين سبقها حراك أمريكي تجاه السعودية قاده وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في حزيران/ يونيو الماضي إلى جانب جولات وحوارات، قادها مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، وسبقتها زيارة مدير وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) وليام بيرنز في نيسان/ أبريل، غير أنها جاءت بعد أن بلغت التصدعات السياسية والأمنية الداخلية والإقليمية مستوى غير مسبوق، يتهدد الكيان بأزمة داخلية وحرب كبرى في الإقليم.
التصريحات والنشاط المفرط للمسؤولين الإسرائيليين في حكومة نتنياهو وللإعلام الأمريكي والإسرائيلي، قوبلت بتصريحات لجون كيربي الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي؛ نفى فيها ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال، التي ربطت بين جهود التقارب السعودي الأمريكي الذي تقوده إدارة بايدن، وبين محاولتها تحقيق إنجاز قبيل الانتخابات الرئاسية نهاية العام المقبل 2024 بتوقيع اتفاق تطبيع خلال 9 أشهر إلى 12 شهرا.
النفي الأمريكي لم يعنِ غياب الجهود الأمريكية لكسر الجمود في علاقة واشنطن مع الرياض، التي برز تأثيرها بعد اندلاع الحرب الأوكرانية نهاية شباط/ فبراير 2022؛ إلا أن الجهود الأمريكية لم تثمر عن موقف سعودي منحاز للمعسكر الغربي ضد روسيا.
فالرياض بقيت متمسكة في موقفها المحايد من الصراع، وهو ما أكدته مؤخرا بعقدها قمة جدة في 5 آب/ أغسطس الحالي؛ لمناقشة جهود الوساطة والمبادرات الدولية لإنهاء الحرب الأوكرانية بحضور 40 دولة، من ضمنها أمريكا والصين التي كانت على رأس دول مجموعة بريكس ( الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل)، باستثناء روسيا التي غابت عن القمة.
أمريكا لم تنجح رغم الجهود التي بذلتها في إحداث اختراق كبير، يضم السعودية ودول الخليج إلى المعسكر الأوروبي والأمريكي المناهض لروسيا والصين، سواء بفرض العقوبات على روسيا أو بتزويد أوكرانيا بالسلاح، أو بإبعادها عن الصين التي كانت حاضرة في قمة جدة؛ وهو الملف الأهم الذي يقع على سلم أولويات الولايات المتحدة الأمريكية ويتجاوز طموحات وتوقعات نتنياهو.
العلاقة السعودية الأمريكية تبدو أكبر وأعقد من أن تُختزل في ملف التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، فالصين وروسيا حاضرة في تفاصيل هذه العلاقة؛ هذه خلاصة يمكن استنتاجها من ردود الفعل الأمريكية التي قدمها جون كيربي، ومن التجاهل السعودي لتصريحات نتنياهو ووزير خارجيته كوهين.
نتنياهو رغم ذلك، كان معنيا ببث الحياة في ملف التطبيع مع الرياض عند كل منعطف سياسي أو أمني؛ فالتطبيع مع السعودية ورقة يستخدمها لردم التصدعات السياسية والأمنية الداخلية والإقليمية، ومن ضمنها التصدعات في العلاقة مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي ظهر في لقاء متلفز عبر شبكة “سي إن إن” في تموز/ يوليو الماضي، مهاجما حكومة نتنياهو واصفا إياها بالأشد تطرفا في تاريخ الكيان الصهيوني.
نتنياهو يعتبر التطبيع مع السعودية الوسيلة الأمثل لترميم التصدعات في الساحة الداخلية والإقليمية والأمريكية بإحراز تقدم في العلاقة مع الرياض؛ وحكومة الائتلاف بقيادة نتينياهو تبحث عن مكان في جهود التقارب السعودي الأمريكي بإقحام التطبيع وملف العلاقة مع إيران في لب الجهود الأمريكية لتتحول إلى ملف مركزي، يهدد بنسف الجهود الأمريكية ذاتها في التقارب مع الرياض.
خاصة أن حكومة نتنياهو تبحث عن إنجاز لا يقل أهمية عن بحث إدارة بايدن عن إنجازات قبيل الانتخابات الرئاسية في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، سواء في الملف الأوكراني، أو في ملف العلاقة مع الصين أو في الملف الاقتصادي، ومعركة خفض التضخم الأوروبي الأمريكي.
قادة الكيان الغارقين بأزمة سياسية داخلية تسبب بتصدعات سياسية داخل الكيان الإسرائيلي، وتصدعات أمنية في الضفة الغربية والإقليم وفي العلاقة مع أمريكا، يبحثون عن إنجاز ورافعة تساعد في انتشالهم من المستنقع السياسي والأمني عبر الهرب نحو ملف التطبيع، والاقتراب من إدارة بايدن التي تبحث عن سبل لتعزيز واستعادة نفوذها المتآكل في منطقة الخليج وأفريقيا.
أخيرا رغم أن السياق العام للحراك الإسرائيلي والأمريكي يتقاطعان عندما يتعلق الأمر بإيران والرغبة في كسر الجمود في العلاقة بين الرياض وواشنطن؛ إلا أنهما يتعارضان بقوة عندما يتعلق الأمر بالملفات الكبرى، كالعلاقة مع الصين والموقف من الحرب الأوكرانية والتهدئة في الإقليم.
أو عندما يتعلق الأمر بضرورة كبح جماح اليمين الإسرائيلي بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اللذين وصفهما بايدن في مقابلته عبر شبكة “سي إن إن” بالعناصر الأكثر تطرفا في حكومة الائتلاف الإسرائيلي الحاكم؛ عناصر يصعب على نتيناهو التضحية بها مسبقا دون ضمان تشكيل حكومة ائتلاف مع خصومه في المعارضة (يائير لبيد، وبيني غانتس، وغيرهما)، وهو أمر من الممكن أن يقود إلى فوضى واغتيالات تطاله شخصيا.
فالعنف وردود الفعل المتطرفة غير مستبعدة، سواء داخل الكيان أو داخل الولايات المتحدة الأمريكية التي شهدت الإعلان عن مقتل مواطن أمريكي في ولاية يوتا، خلال محاولة اعتقاله بتهمة التهديد باغتيال الرئيس الأمريكي بايدن، في حين اعتُقلت مراهقة إسرائيلية اتهمت بتوجيه تهديدات بقتل بن غفير في الكيان الصهيوني.
ختاما، تحول ملف التطبيع مع السعودية إلى أحد أهم أدوات المناورة لنتنياهو وحزب الليكود لتحسين التموضع وترميم التصدعات الداخلية الخارجية للكيان، فهل تقدم الرياض لنتنياهو يد المساعدة للخروج من مأزقه الداخلي والإقليمي، أم تتركه يغرق في المستنقع الذي صنعه؟
وهل تراهن الولايات المتحدة على علاقتها بالسعودية للتطبيع مع الكيان، متجاوزة تحقيق اختراق في الفضاء الأوسع في آسيا (تايوان والصين) وأفريقيا وشرق أوروبا (أوكرانيا وروسيا).
إنها أسئلة مهمة تحدد مسار الجهود الأمريكية وسقوف الطموحات الإسرائيلية بالتطبيع مع السعودية، التي تذهب نحو ما هو دون التطبيع والاعتراف؛ فالرياض تصر على تطوير برنامج نووي سلمي، وتوفير ضمانات أمريكية تشابه ما قدم لكوريا الجنوبية في مواجهة كوريا الشمالية، وإقامة دولة فلسطينية.
وهي شروط تعيد ترسيم علاقتها بطهران والكيان الصهيوني والولايات المتحدة دون مساس بعلاقة الرياض مع روسيا والصين، شروط تعقد الحسابات الأمريكية والإسرائيلية؛ إذ يصعب تحقيقها أمريكيا أو التغاضي عن مخاطرها إسرائيليا.