بقلم/ إحسان الفقيه – كاتبة صحفية أردنية
بعد توليه حكم السعودية، في 23 يناير/ كانون الثاني 2015، خلفا للملك عبد الله بن عبد العزيز، عَيَّنَ الملك سلمان بن عبد العزيز نجله محمد وزيرا للدفاع ورئيسا للديوان الملكي ومستشارا خاصا للملك.
وبعد إعفاء الأمير مقرن بن عبد العزيز من ولاية العهد، في 29 أبريل/ نيسان 2015، بناء على طلبه، عَيَّنَ الملك نجله محمد وليا لولي العهد وقتها، الأمير محمد بن نايف، ونائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، الذي يشغله الملك، ورئيسا لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
وفي 2017، وتحديدا في يونيو/ حزيران، عَيَّنَه الملك وليا للعهد، بعد إقصاء الأمير محمد بن نايف، المعتقل منذ مارس/ آذار الماضي.
في سياقات النظام الداخلي الأساسي ونظام هيئة البيعة، لا يبدو محمد بن سلمان (34 عاما) هو الأحق من غيره من كبار أفراد الأسرة الحاكمة بمنصب ولي العهد.
وهذا المنصب يضعه على بعد خطوة واحدة من العرش، في حال تنازل الملك أو غيابه بسبب الوفاة، أو بلوغه مرحلة عدم الأهلية لأسباب صحية، أو الخيانة العظمى، وغيرها من الأسباب.
ويعتمد نظام هيئة البيعة، الذي وضع في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز (2005- 2015) على أن تتم الدعوة لمبايعة الملك واختيار ولي العهد وفقا لنظام الهيئة، الذي أطاح به الملك سلمان (84 عاما) ولم يعد فاعلا، بحسب متابعين لشؤون الحكم السعودي.
يرى مراقبون أن الملك سلمان اتبع استراتيجية حصر المُلك بذريته من خلال السلطات الواسعة التي وضعها بيد نجله، وإقصاء أفراد من الأسرة المالكة يُعتقد أنهم أقل إثارة للجدل وأنهم مقبولون عند معظم أفراد الأسرة وشعبيا إلى حد ما، مثل الأمير أحمد بن عبد العزيز، المعتقل هو الآخر منذ مارس/ آذار الماضي.
واستعان ولي العهد، محمد بن سلمان، بأعداد كبيرة من المستشارين وما تُعرف باسم “الجيوش الإلكترونية” على مواقع التواصل الاجتماعي، لتحسين صورته وزيادة شعبيته في الداخل السعودي.
ولتسحين صورته في الخارج، عمل بن سلمان على شراء ولاءات صحف وقنوات عربية وأجنبية، وأنفق أموالا ضخمة على جماعات الضغط “اللوبيات” في الولايات المتحدة والعديد من دول الاتحاد الأوروبي.
اتسم عهد ولي العهد، الذي يُنظر إليه على أنه الحاكم الفعلي للمملكة، بحملات اعتقالات لم تستثن أحدا من معارضي توجهاته السياسية أو الرافضين لإجراءات داخلية اتخذها، ووجد طيف واسع من المجتمع السعودي فيها خروجا عن الطبيعة “المحافظة” الملتزمة دينيا للمجتمع السعودي طيلة قرون.
ورغم تكرار إدانة منظمات حقوقية دولية، مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية وغيرهما، يواصل بن سلمان حملات الاعتقال ضد معارضي سياساته، وأحدثها اعتقال الأمير فيصل، نجل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، في أيار/ مايو الماضي.
وقبلها بشهرين، تم اعتقال كل من الأمير أحمد بن عبد العزيز، شقيق الملك سلمان والمقبول في الأوساط الشعبية لخلافته، والأمير محمد بن نايف، ولي العهد السابق، وزير الداخلية الأسبق، الذي يحظى باحترام الإدارة الأمريكية.
وتشمل حملات الاعتقال كبار المسؤولين والضباط الأمنيين، الذين سبق أن عملوا مع الأمير محمد بن نايف في وزارة الداخلية.
وتتحدث تقارير عن أن هذه الاعتقالات لم تنجح في استئصال شعبية المعتقلين بشكل كامل، فلا يزال الكثير ممن يحتفظون بالولاء لابن نايف، يعملون في مؤسسات أمنية حساسة، ما يثير مخاوف ولي العهد في هذه المرحلة، التي يمكن أن توصف بأنها مرحلة التمهيد لانتقال السلطة إليه، إضافة إلى مخاوف أكبر في مراحل لاحقة.
واتخذت ملاحقات ولي العهد للمعارضين في الخارج أبعادا جديدة، بعد دعوى قضائية قدمها المسؤول الأمني السعودي السابق رفيع المستوى، سعد الجبري، في المحكمة الفيدرالية الأمريكية، باتهام ولي العهد ومسؤولين كبار آخرين في الحكومة السعودية، بالسعي إلى إسكاته والتآمر على اغتياله في كندا، عن طريق مجموعة خاصة بالعمليات الخارجية يشرف عليها بن سلمان شخصيا.
ووفقا لوسائل إعلام غربية، فإن الجبري، المقيم حاليا في كندا، كان أحد أبرز مساعدي، الأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية الأسبق المعتقل، وأن ولي العهد بذل جهودا كبيرة لإرغام الجبري على العودة إلى السعودية، واتخذ إجراءات “قمعية” طالت اثنين من أبناء الجبري معتقلين في أحد السجون السعودية، كوسيلة ضغط على والدهما.
وتتهم السعودية الجبري بالفساد المالي، حيث قدمت إخطار جلب بحقه، عبر المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول) عام 2017، لكن المنظمة رفضت الاستجابة للطلب السعودي، حيث ترى فيه دوافع سياسية.
وتشمل قائمة الاتهامات المنظورة أمام إحدى المحاكم في العاصمة الأمريكية، إنشاء ولي العهد فريقا متخصصا بالاغتيالات يُسمى “فرقة النمر”، وإرسال بعض أعضائه إلى كندا، وفريقا آخر لتقصي المعلومات عن الجبري في الولايات المتحدة، حيث تربطه علاقات وثيقة بوكالة المخابرات المركزية وأجهزة مكافحة الإرهاب.
ونقلت صحف غربية أن محمد بن سلمان أسس عام 2018 “فرقة النمر”، لتنفيذ اغتيالات داخل وخارج المملكة تستهدف معارضي سياساته، وهي تعمل تحت إشرافه الشخصي، وتضم نحو 50 عنصرا من مختلف فروع الأجهزة الأمنية والتشكيلات العسكرية من ذوي الخبرة ومضموني الولاء له شخصيا.
ويحظى الجبري بعلاقات وثيقة ممتدة لسنوات طويلة مع كبار مسؤولي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ويمتلك ما يكفي من معلومات يمكن أن تهدد سمعة بن سلمان.
ويرى مراقبون أن معلومات الجبري تشكل تهديدا وجوديا للمستقبل السياسي لولي العهد، الذي سيكون بحاجة شديدة لتحسين سمعته لدى كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية، تمهيدا لتوليته عرش المملكة.
في ظل عدم رضا واضح داخل الأسرة الحاكمة، يدرك ولي العهد أن أول متطلبات الوصول إلى العرش السعودي سيكون عبر الدعم الخارجي من الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
كما يدرك أن استمراره بالحكم وتنفيذ برامجه غير ممكن من دون وجود بيئة مستقرة، ويُعتقد بعدم توفر ذلك في حال وصل إلى الحكم، من منطلق افتقاره للكثير مما يؤهله لشغل هذا المنصب وفق ثوابت وأسس تداول السلطة في المملكة داخل الأسرة الحاكمة.
ومنذ أسابيع، تتحدث تقارير غربية كثيرة عن تردي الحالة الصحية للملك سلمان، الذي أجرى جراحة ناجحة في إحدى المستشفيات السعودية، قبل أسابيع.
ويواجه محمد بن سلمان انتقادات حادة من حكومات غربية عديدة، على خلفية ممارسته القمع ومسؤوليته عن اغتيال الكاتب السعودي، جمال خاشقجي في 2018، واستمرار حملات الاعتقال لمعارضيه، واحتجاز أو اعتقال عدد من كبار أفراد الأسرة الحاكمة وعشرات النساء من المجتمع المدني.
كان لا بدّ لولي العهد أن يعمد إلى التضييق على شخصيات بارزة من الأسرة الحاكمة تتمتع بقبول شعبي واسع يفوق ما يحظى به هو، أو شخصيات لها ثقل إقليمي ودولي، مثل الأمير محمد بن نايف، والأمير أحمد بن عبد العزيز، وأمراء آخرون يرى فيهم عقبة أمام طموحاته في الوصول إلى العرش.
وفي العادة، لا تعرف أُسر المعتقلين، وبينهم المعتقلون من أفراد الأسرة الحاكمة، أي معلومة عن أماكن اعتقالهم أو الظروف المعتقلين فيها، بحسب تقرير لهيومن رايتس ووتش.
قد يرى البعض أن ولي العهد سيمضي في طريق وصوله إلى الحكم بمواصلة حملاته القمعية، وتكميم الأصوات المعارضة، وشراء ذمم وولاءات آخرين، واعتقال كبار مسؤولي الدولة وضباط رفيعي المستوى وكبار الدعاة والإصلاحيين وأفراد من الأسرة الحاكمة.
لكن محمد بن سلمان يتخوف بالتأكيد من رفض أمراء كبار داخل الأسرة الحاكمة يلتف حولهم مئات من الأمراء المهمشين والساخطين على ولي العهد، والذين من المتوقع أن يقودوا حركة تمرد رافضة لتوليه الحكم بعد غياب أبيه.