قبل عشر سنوات باركت السلطات السعودية المجزرة التي ارتكبها رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، حين كان وزيرا للدفاع، في 14 أغسطس/آب 2013، بحق المعارضين المصريين المناهضين لانقلابه على الرئيس الشرعي الراحل محمد مرسي، في ميداني رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة والجيزة.

وأعقبوا مباركتهم بضخ أموال في خزانة سلطات الانقلاب المصرية لترسيخ أقدام حكم العسكر وشرعنة الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب يصل إلى السلطة بانتخابات ديمقراطية نزيهة في تاريخ مصر، وواصلوا دعمه بشتى السبل الممكنة سياسيا واقتصاديا، وهو ما أعترف به السيسي في تصريحات على هامش القمة العالمية للحكومات في فبراير/شباط 2023.

وفي ذكرى مرور عقد على المذبحة التي خلفت أكثر من 1000 قتيل، ومئات الجرحى والمعتقلين في سجون السيسي، أكدت منظمة العفو الدولية أنّ الإفلات من العقاب عن القتل الجماعي مكّن هجومًا شاملًا على المعارضة السلمية في مصر، مستنكرة تآكل كافة الضمانات للمحاكمة العادلة في نظام العدالة الجنائية، وما رافقها من معاملة وحشية لا توصف في السجون طوال العقد الماضي.

فيما انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش السلطات المصرية لتكريسها الإفلات من العقاب على مدى عشر سنوات بعد مذبحة رابعة التي وصفتها بأنها “أكبر عملية قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث”، قائلة إن المذبحة أطلقت شرارة حملة قمع جماعية استهدفت منتقدي الحكومة، مما أدى إلى واحدة من أسوأ أزمات حقوق الإنسان في مصر منذ عقود.

وبالعودة عشر سنوات إلى الوراء، فقد منحت الرياض الضوء الأخضر للجيش المصري في صراعه مع جماعة الإخوان المسلمين، ودعمت وساندت بقوة وصوله للسلطة منذ عزل مرسي والزج به في السجن في 3 يوليو/تموز 2013، واستخدمت السعودية والإمارات نفوذهما المالي والدبلوماسي لتوفير الدعم لسلطة العسكر.

وكانت كل من السعودية والإمارات من أوائل الدول التي قدمت التهنئة للرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، الذي أصبح رئيسا كونه رئيسا للمحكمة الدستورية العليا، بعد شغور المنصب عقب إطاحة العسكر بالرئيس مرسي، وكانت زيارته للسعودية في أول جولاته الخارجية التي أجراها في أكتوبر/تشرين الأول 2013.

ومنحت السعودية وحدها نظام الانقلاب في يوليو/تموز 2013 دعم مادي بقيمة 5 مليارات دولار ووفرت احتياجاته من الوقود بما قيمته مليار دولار، وكانت السعودية من أوائل الدول التي أرسلت برقية تهنئة للسيسي بمناسبة فوزه المزعوم برئاسة مصر في يونيو/حزيران 2014، ودعا الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، في برقيته إلى مؤتمر لأشقاء وأصدقاء مصر للمانحين لمساعدتها في تجاوز أزمتها الاقتصادية.

وخرقا للحدود البروتوكولية، عقد الملك عبدالله لقاء على متن طائرته الملكية الخاصة مع السيسي، استغرق أقل من 40 دقيقة، في ذات شهر استيلاء السيسي على حكم مصر، وطلب الأخير خلالها تعجيل دعم المملكة لمصر من دون انتظار مؤتمر المانحين الذي دعت إليه السعودية.

وفي المؤتمر الاقتصادي الذي عقدته مصر في مدينة شرم الشيخ السياحية، في مارس/آذار 2015، منحت الرياض وحدها مصر أربعة مليارات دولار آخرين على شكل استثمارات، وكان حينها الملك سلمان بن عبدالعزيز قد تمت مبايعته ملكا للسعودية خلفا للملك عبدالله بعد وفاته، فيما أسفر كامل المؤتمر عن استثمارات بقيمة 63 مليار دولار.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2015، وجه الملك سلمان بزيادة استثمارات السعودية في مصر، بمبلغ 30 مليار ريال سعودي، أي ما يعادل ثمانية مليارات دولار، بالإضافة إلى توفير احتياجات مصر من الوقود لمدة خمس سنوات.

وفي أبريل/نيسان 2016، وصل الملك سلمان إلى القاهرة في زيارة رسمية استغرقت 5 أيام وكانت الأولى له منذ توليه السلطة مطلع 2015 خلفا لأخيه الملك عبد الله، وأظهر خلالها تأييدا ودعما واسعا للسيسي واتفقا خلالها على بناء جسر يربط بين البلدين عبر البحر الأحمر، ليكون منفذا دوليا للمشروعات المشتركة ومعبرا رئيسيا للمسافرين من حجاج وسياح.

ووقع الطرفان 17 اتفاقية ومذكرة تفاهم في عدة مجالات من بينها الكهرباء والإسكان والطاقة النووية وبناء جامعة الملك سلمان في الطور بسيناء، ومشروع التجمعات السكنية ضمن مشروع سلمان لتنمية سيناء، واتفاقية تعيين الحدود البحرية بين البلدين التي أسفرت عن تفريط السيسي في جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية.

كما اتفقا على إقامة صندوق استثمار برأس مال 60 مليار ريال (16 مليار دولار)، وانهى سلمان زيارته بتوديع السيسي له في مطار القاهرة ورفع أيديهما متشابكين، وهي الصورة التي تداولتها وسائل الإعلام على أنها دلالة على العلاقات الطيبة.

وذكر حينها مجلس الوزراء المصري أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ في 2014/2015 نحو 5 مليارات دولار، مشيرا إلى أن السعودية تحتل المرتبة الأولى بين الدول المستثمرة في مصر بقرابة 6,13 مليارات دولار كإجمالي المساهمات السعودية في رؤوس أموال الشركات حتى العام 2016.

وكان من بين الاتفاقات التي وقعها الملك سلمان والسيسي استيراد مصر المنتجات البترولية من شركة أرامكو السعودية لمدة خمس سنوات بتسهيلات كبيرة في السداد، وبموجبه تشتري مصر شهريا منذ مايو/أيار 2016 أربعمئة ألف طن من السولار ومئتي ألف طن من البنزين ومئة ألف طن من المازوت.

وفي مارس/آذار 2017، استأنفت شركة أرمكو توريد شحنات المنتجات النفطية لمصر، بعد انقطاع دام نحو ستة أشهر، بسبب بعض الالتزامات والصيانات في أرمكو، بحسب ما أعلنه حينها وزير البترول المصري طارق الملا.

وفي أبريل/نيسان 2017، زار السيسي مصر للمرة الثامنة منذ استيلائه على الرئاسة، وجمعته مع الملك سلمان قمة اتفقا خلالها على تطوير العلاقات بين البلدين وتنسيق الجهود في ما يتعلق بما أسموه “مكافحة الإرهاب”.

وفي أبريل/نيسان 2018، هنأ الملك سلمان، السيسي بفوزة المزعوم بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات الرئاسية التي تكلفت 68 مليون دولار، والتي أكد أكثر من مرة أنه لا ينوي البقاء فيها أكثر من مدتين، أي ثماني سنوات إجمالا.

وفي يونيو/حزيران 2019، التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع السيسي، على هامش قمة منظمة التعاون الإسلامي التي استضافتها مكة، وتباحثا حول سبل تعزيز جوانب العلاقات الثنائية بين البلدين، على الصعيدين الاقتصادي والاستثماري خصوصا.

وفي فبراير 2020، أرسل بعث الملك سلمان رسالة خطية إلى السيسي، تتضمن تأكيداً على متانة العلاقات التاريخية التي تجمع بين البلدين والشعبين الشقيقين، والحرص على تعزيز أطر التعاون الاستراتيجي بين البلدين على مختلف الأصعدة، ومواصلة العمل المشترك والتنسيق المكثف مع مصر إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية.

وفي يوليو/تموز 2020، أكد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، تطابق موقف المملكة مع جهود مصر لتسوية مختلف النزاعات بالمنطقة، مشددا على أن تلاحم الأمن القومي المشترك لكلا البلدين، وأن مصر ستبقى دائماً الشريك المحوري للمملكة بالمنطقة.

وفي يونيو/حزيران 2021، نشر السيسي صورة تجمعه مع بن سلمان خلال لقاء جمعهما في مدينة شرم الشيخ جنوب سيناء، أوضح فيها أن لقائهما ركز على بحث سُبل تطوير العلاقات المشتركة، وأن الرؤى بينهما متوافقة حول القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وأعاد مدير المكتب الخاص لولي العهد السعودي بدر عساكر، نشر الصورة ذاتها على صفحته الرسمية.

وفي يونيو/حزيران 2022، زار بن سلمان القاهرة، والتقى السيسي في جلسة مباحثات رسمية، وأعلن البيان الختامي للزيارة عن عزم المملكة قيادة استثمارات في مصر تبلغ قيمتها 30 مليار دولار أميركي، من دون تحديد برنامج زمني، فيما سربت مصادر أنه قدم استثمارات بنحو 8 مليارات دولار.

وفي 2023، زادت التأويلات السلبية حول العلاقات السعودية المصرية، والحديث عن وجود توترات خفية في العلاقات بين البلدين وخلافات سياسية مكتومة جاءت على أثر توقف الرياض عن تقديم مساعدات للقاهرة، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية.

لكن في أبريل/نيسان 2023، زار السيسي السعودية بحثا عن تدفقات مالية لتخفيف الضغط على الجنيه المصري الذي يواصل الانهيار أمام الدولار الأميركي وبحثا عن دعم الاقتصاد المتعثر وتوسيع نطاق الاستثمارات وكان ولي العهد في استقباله في مدينة جدة، استقبالا متواضعا، ما رأه مراقبون “زيارة رجل متسول “.

تلك المساعدات والودائع والاستثمارات السعودية والاقتصادية ودعم السيسي اللامتناهي على منصات التواصل الاجتماعي، أسهمت في شرعنة انقلابه وتزكية موقفه وتمكينه من تعميق سيطرته على مقاليد الحكم في مصر والتغطية على جرائمه التي ارتكبها بحق الآلاف من معارضيه وتقديمه كرئيس إصلاحي منقذ جاء لانتشال البلاد من الفوضى والإرهاب.

وبدوره، أعرب السياسي والحقوقي المصري الدكتور أسامة رشدي، عن أسفه على أن السعودية من أشد أعداء الربيع العربي، ويشعرون بأن رياح الديمقراطية وسقوط الأنظمة الاستبدادية يشكل تهديدا لهم، وبالتالي تآمروا ودعموا الثورات المضادة متجاهلين ما خلفه ذلك من آثار.

وذكر في حديثه بأن السفير السعودي السابق في القاهرة أحمد القطان اعترف علنا بتواصلهم مع المخابرات الحربية المصرية إبان الانقلاب العسكري على مرسي، وأنه قدم تقريرا لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، بدعوة من وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل، في اجتماعهم في الرياض، وقال لها إن الجيش المصري لن يسمح لمرسي بالحكم.

وذكر رشدي، بأن رئيس المخابرات السعودي السابق بندر بن سلطان، كان في القاهرة يوم الانقلاب، مستنكرا مبادرة حكومة المملكة بدعم الانقلاب منذ اللحظة الأولى وتقديم عشرات المليارات لدعم السيسي ومذابحه ضد الشعب المصري، وتقديمهم الدعم الدبلوماسي الدولي للانقلاب وتبريره والاعتراف بشرعيته.

وأكد أن مذابح رابعة والنهضة وغيرها من المذابح التي ارتكبها النظام المصري الحالي منذ انقلابه على الرئيس الشرعي المدني المنتخب، جرت بتحريض واضح من الإمارات والسعودية لسحق من يصفونهم بالإخوان المسلمين، رغم أنهم يخفوا الديمقراطية والشرعية التي انتجتها ثورة يناير عبر المسار الانتخابي الحر.

وأشار رشدي، إلى أن السعودية قدمت لنظام السيسي عشرات المليارات من الدولارات ومؤخرا تغيرت سياسات الشيكات المفتوحة بعدما أدركوا أن الكثير من هذه الأموال لم تدخل مصر، وتم تحويلها لحسابات خاصة في الخارج، وبعدما اتضح لهم حجم الفساد والإنفاق على مشروعات لا قيمة لها وبناء القصور الرئاسية وشراء الطائرات الخاصة في الوقت الذي تتدهور فيه أوضاع الشعب، متوقعا أن تشهد العلاقات مع السيسي صعوبات مستقبلية نتيجة هذه الأسباب.