قال تقرير لمجلة “بلومبيرغ” الاقتصادية إن الاختلافات بين السعودية والإمارات نابعة من الخيارات الاقتصادية التي اتخذها قادتهما، والبعض الآخر من الحسابات الأمنية المتناقضة، والبعض الآخر من الاعتبارات الأيديولوجية.
وأوضح تقرير المجلة أن البيانات الختامية لقمم مجلس التعاون الخليجي مجرد إجراء روتيني تظهر فيه دعوات لتحقيق الوحدة والتماسك الخليجي، إلا أن تلك البيانات تخفي الخلاف الحقيقي بين أهم عضوين في هذا المجلس؛ وهما الإمارات والسعودية.
وبحسب تحليل المجلة؛ فإن البيان الختامي الذي صدر منتصف الشهر الجاري بعد انتهاء قمة المجلس الخليجي كانت “أضعف أوراق التين السريعة التساقط” من بين ما سبقه من بيانات ختامية خلال الأعوام الماضية.
وترى المجلة أن التباين المتزايد في المصالح الاقتصادية والأمنية ومصالح السياسة الخارجية بين المملكة والإمارات أحد أهم الأحداث في عام 2021، وسيكون تأثير التنافس بشكل كبير ليس فقط على شؤون دول الخليج ولكن على الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط الأوسع، وعلى وجه الخصوص، سيشكل تحديًا للولايات المتحدة، التي طالما اعتمدت على الصداقة بين الدولتين كحصن ضد إيران.
ومع ذلك، من المؤكد أن التنافس السعودي الإماراتي سوف يزداد حدة، وفي نهاية المطاف، ستضع التوترات المتفاقمة الشركات والمستثمرين في موقف حرج لاضطرارهم للاختيار بينهم لأسباب سياسية وليست اقتصادية.
يتمتع البلدان، اللذان يشتركان في حدود طولها 300 ميل، بتاريخ طويل من الود، حيث تقاربا بشكل استثنائي من بعضهم البعض بعد انتفاضات الربيع العربي في عام 2011، عندما أدرك قادة الدولتين “التهديد المزعوم” الذي تشكله الحركات الشعبية المؤيدة للديمقراطية.
كما تعمقت الروابط في منتصف العقد مع ظهور الأمير محمد بن سلمان كقوة وراء العرش في الرياض، حيث طور محمد بن سلمان، صداقة وثيقة مع نظيره، ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، فيما أصبح الأخير، الذي يُقال أنه الزعيم الأكثر نفوذاً في العالم العربي، مرشدًا للأمير السعودي.
وبحلول عام 2017، عندما تم تسمية محمد بن سلمان رسميًا وليًا للعهد، تحالفت أبوظبي والرياض في حربٍ ضد اليمن وكذلك في الحصار المفروض على قطر.
وفي كلا النزاعين، كان يُفترض على نطاق واسع أن الرجل الأكبر سنًا قد يوجه يد ربيبه. فقد كان محمد بن زايد قد أقنع بن سلمان بأن بلادهما تعرضت للخطر بسبب دعم الدوحة للإخوان المسلمين، كما أنه أوصل الأمير السعودي إلى الرأي القائل بأن إيران وشبكتها من الميليشيات التي تعمل بالوكالة، بما في ذلك الحوثيون في اليمن، تمثل أكبر تهديد لهما.
وبدرجة أقل، كان البلدان حذران من تنامي نفوذ تركيا في العالم الإسلامي، فعندما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن محمد بن سلمان كان وراء اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في اسطنبول، تبنت الإمارات التبرير السعودي لوفاة الصحفي.
وكانت هناك مؤشرات أخرى على النفوذ الإماراتي على ولي العهد السعودي، حيث بدا أن خطط محمد بن سلمان المترهلّة للإصلاح الاجتماعي، بما في ذلك بعض الحريات للمرأة والقيود المفروضة على السلطة الدينية، مصممة لتقريب المملكة المحافظة في أعرافها من الإمارات الليبرالية نسبيًا، فقد كان مشروعه “رؤية 2030” لفطم الاقتصاد السعودي عن اعتماده على عائدات النفط مستوحى على الأقل جزئيًا من التنويع الناجح لدولة الإمارات في مجالات مثل السياحة والخدمات اللوجستية للنقل.
لكن الأميرين لا يمكن أن يبقيا ملتصقين إلى الأبد، بحسب “بلومبيرغ”، فبحلول عام 2019، كانت حسابات محمد بن زايد الأمنية تبتعد عن المواجهة مع طهران ووكلائها، فقد بدأت الإمارات في الانسحاب من الحرب في اليمن، عندما ثبُت استحالة هزيمة الحوثيين، فيما لم يكن السعوديون سعداء بتركهم يحملون الأزمة وحدهم، لكن محمد بن سلمان لم ينتقد معلمّه بن زايد علنًا.
في العام التالي، عندما خرجت الإمارات من المقاطعة العربية للكيان الصهيوني ووقعت اتفاقيات التطبيع، مما ألهم ثلاث دول أخرى لتحذو حذوها، وهناك أوضح السعوديون أنهم لن ينضموا إلى المطبعين حتى اللحظة على الأقل.
ثم جاء دور الرياض للانسحاب من جهد مشترك نهاية عام 2020، عندما قرر محمد بن سلمان من جانب واحد إنهاء الحظر المفروض على قطر، حيث تذمرت أبوظبي، لكنها وافقت على مضد في نهاية الأمر.
واقتصاديًا، صعّد السعوديون التوتر من خلال تحدي ترتيبات التعرفة التفضيلية لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث كانت الشركات العاملة في المناطق الحرة بدولة الإمارات هي الأكثر تضرراً، والتي تستخدم قربها من السوق السعودية الأكبر بكثير لجذب الأعمال.
كما كانت الرياض تضغط بالفعل على الشركات الأجنبية لنقل مقارها الإقليمية إلى المملكة، وتهدد بقطع العقود الحكومية عن تلك التي فشلت في الانتقال. كما تواصل السعوديون مع آلاف الشركات حول العالم بإعفاءات ضريبية وحوافز أخرى لاستخدام رؤوس أموالهم الصحراوية كمركز أعمال عالمي.
أما الإمارات فقد أدركت تمامًا أن سوقها أصغر بكثير، واستجابت للتحدي السعودي من خلال تعزيز نقاط قوتها، مثل أسلوب الحياة الليبرالي نسبيًا الذي يمكن للأجانب الاستمتاع به في مدن عالمية مثل دبي وأبوظبي، فقد أدخلت قواعد جديدة للتأشيرة لجذب المواهب الأجنبية.
وتزامن احتدام المنافسة الاقتصادية مع اندفاع دبلوماسي من جانب كل من محمد بن سلمان ومحمد بن زايد. وقبيل قمة مجلس التعاون الخليجي، قام الأمير السعودي بجولة سريعة في الدول الأعضاء.